لكي نعود إلى هناك ، لا بد أن نكون في مكان ما ، فالعائد إن عاد لا يعود من عدم..

محمود درويش

السبت، 31 ديسمبر 2011

و مرقت سِنة ! ( تدوينة لا بد منها )

لينا خالد / عمّان

مثل العادة ، موسيقى و صفحة بيضا !

1 – 2011

بتذكر ، كان في حب وقتها و قصص و سهر و شعر و مراهقة و احلام (( هبلة )) .

و في النهاية في كذب .. يخرب بيته الحب شو بذل خصوصاً الحب الي بيجي فجأة ما بتعرف من وين طلعلك ، كنا زهقانين فقلنا نحب بعض !!..

المهم بالأخر "الحب" مش مهم كثير خصوصاً أنه أنا بحب الناس و الناس بحبوني و مش محتاجة واحد يقلي " حبيبتي " ..

ملاحظة : قد ما كنت تقلي بحبك .. بحب أقلك حُبك برص .

2 -2011

- تونس ، مصر .. و ريحة الحرية إلي بلشت تنتشر في هوانا العربي .

عشت معهم كأني في ميادين التحرير ، و اخترت مدونتي لأعبر عن مشاعري الثورية .

- صرت أهتم أكثر للموسيقى الفلسطينية ، خصوصاً الموسيقى إلي بتتعلق في تراثنا .

- و برضه صرت أهتم أكثر للأدب الفلسطيني .

- صداقة وكتب و عجقة البلد و سحلب و شتا و ناس كثير تروح و تيجي ، تروح وتيجي و أحنا نبقى على درج ( مسرح البلد ) بناكل فلافل من ( هاشم) .

الحرية ، الموسيقى و الصداقة و الآدب صاروا شي اساسي بحياتي بعد هالشهر .

3- 2011

بلشت اعشق التصوير ، مع الربيع إلي بلش يطلع و أول صور صورتهم ممكن نحكي عنهم " بروفيشنال " صور لزهر اللوز في عمّان .

ابوي شجعني كثير نحو هالموضوع و صرت أشوف عيني حلوة بعيون الناس !

4- 2011

تعرفت على " جليانو مير" و على " فيكتور اريغينوا " الي كانوا ضحية مجموعة متخلفين بفهموش بالحرية أشي ! و بفهموش في فلسطين أشي ، و إذا سألتهم شو يعني فلسطين مش رح يقدروا يعرفوها .

جليانو هو مسرحي فلسطيني .. و فيكتور ناشط إيطالي بس أنا بقول إنه فلسطيني أكثر من الي قتلوه .

5 -2011

في 15/5 بالزبط .. كان في مسيرة العودة بالاردن الكل كان طالع و كلنا أمل أنه رح يصير شي مهم في هاليوم و تتغير الأمور ، حملت حالي بعد الجامعة و رحت على مكان التجمع إلي رح تطلع منه الباصات لمنطقة الكرامة إلي بطل على فلسطين .

بكيت كثير ، ما كنت مخبرة أهلي .. أطلع ما أطلع .. أطلع ما أطلع

بالأخر روحت على بيت صديقتي و أنا منهارة ، حاولت احسن نفسيتي ، حسنتها و بعدين روحت ولا كأنه هاليوم مر ..

و بعد ما شفت الهجوم إلي صار على الي نازلين ، حمدت ربي إني ما نزلت مش لشي غير أنه لو إلي ضربهم هو الجيش الإسرائيلي كان الوضع غير ، بس أنضربوا من الدرك الأردني .. و أنا عندي قاعدة أكل رصاصة في ظهري من يهودي ولا يرفع دركي عصاته علي .

فلسطين رح ترجع .. و إذا ما رجعت أنا رح أرجع إلي طريقتي حتى لو لفيت الكرة الأرضية لأوصلها .

6 -2011

بلشت شي جديد بعد ما خلص الفصل ، صرت أشتغل في " أستديو " تصوير

إستغليت كل الوضع لأتعلم التصوير على أصوله و الشغل إلي تابع إله

بس أدركت إنه كل هالاشياء بعرفها من قبل و هالفرصة ما علمتني غير على "الفوتوشوب" و علمتني كيف أصحاب رؤوس المال بتصرفوا !

7 -2011

شفت الموت عن قريب .. أكثر من هيك مش رح أقول عن هالتجربة إلي خلتني أشوف " الله " بشكل أوضح .

8 -2011

رمضان .. ولأنه رمضان كنت غالباً فاقدة الوعي ومش متذكرة إنه صار شي مهم في هالشهر غير أني قرأت رواية " الطنطورية " لرضوى عاشور ، هالرواية الي فرجتني قديش أحنا لاجئين و لهاللحظة هاي .

و برضه بتذكر يوم عيد ميلادي ، أحتفلت فيه مع صديقاتي و عيلتي كان يوم حلو كثير تحت دالية العنب إلي ورى الدار .

صار عمري عشرين سنة ، بأحلام جديدة و أمل كبير

9 -2011

بلشت أتعرف على عالم جديد وهو عالم الإخراج السينمائي ، صرت أحضر افلام قصيرة .. و قررت أنه بدي أكمل إخراج سينمائي ، كانت الرؤيا واضحة جداً لما تخيلت حالي مخرجة .. مكاني هناك .

حضرت مجموعة أفلام لمخرجين فلسطينيين ، مثل "أن ماري جاسر" و " إيليا سليمان"

و قررت أنه على هالدرب رح أمشي ..

10 -2011

بلشنا فصل جديد في الجامعة ، و بلشت أطور حالي في التصوير ما كان عندي كاميرا فكنت أستغل نهاية الاسبوع و احجز كاميرا الجامعة ، بس بالأخر صار عندي كاميرتي الخاصة و صار عندي بيج بأسمي أعرض فيه صوري للعالم .

حضرت في هالشهر فيلم " هلأ لوين " لنادين لبكي ، و صار عندي هوس فيه كل الي بعرفوني حدثتهم عنه ، هالفيلم خلاني أتعلق أكثر في حلمي الجديد " الإخراج " و خلاني أحط " نادين لبكي " على قائمة الأشخاص الي بعتبرهم مثالي الأعلى .

11 -2011

هالشهر كان مشان اكتشف العالم الحولي اكثر ، في ناس بعتقدوا أنهم فعلاً "بعرفوك أكثر ما أنت بتعرف حالك " ، بدهم يقصوا حسنات على حسابك خاوة بدهم يدخلوك في دينهم ، أي حلو عن ديني يا ....

"أنا إنسانة و هذا بكفي بالنسبة إلي "

12 – 2011

اكتشفت إنه الي بده يتثقف لا يغلب حاله و يورط حاله بمجموعات ثقافية ، بتعتقد إنها الوحيدة إلي بدها تعمل شي منيح لهالمجتمع . في شي أسمه تثقيف ذاتي .

حصيلة هالسنة المتعبة ، الحلوة ، الحزينة ، السعيدة ، إلي شمينا فيها ريحة الحرية و ريحة الموت ..

إنه أنا مش محتاجة حد معين يقولي "حبيبتي" مدام عيلتي و انا و أصدقائي بحبوني ..

الحرية و الموسيقى و الأدب حالات بتشبه بعضها ..

التصوير شي رائع ، مش بس بالنسبة للذكريات ، بالنسبة لكل شي بتعلق في حياة الإنسان ..

فلسطين ، قضية إنسانية و رجعتي إلها أكيدة و على طريقتي ..

ضروري يكون عندي شغلي الخاص بالمستقبل مشان اصحاب روس المال لا يتحكموا فيي بنفسياتهم المريضة ..

الموت كافر ...

لساتني لاجئة ، حتى لو عيلتي تملكت قصر بالغربة ..

" مخرجة سينمائية " بشوف حالي ..

الدين مش مهم ، خصوصاً إذا كان الإنسان روحه صافية و إنسان بكل معنى الكلمة..

الثقافة و الوعي بإيدك .. و المجموعات الثقافية بتشكك في حالك أكثر ما بتدعمك لَتكَون ثقافة و وعي كامل ..

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الطنطورية


لينا خالد / عمّان

لم أتوقع أبداً أن يأتي كتاب ليحكي لنا قصُتنا بالتفصيل ، حبنا للأرض المرتبطة بالذاكرة .. اللجوء .. الخوف .. الموت .. و الألم الذين تسللوا إلينا عبر اثواب جداتنا .

لم أتوقع أبداً بأن أقرأ تفاصيل حياتي كلاجئة فلسطينية عبر هذه الكتب .. الأول كان الطنطورية ، حدثتني عنه أحدا صديقاتي على ( الفيس بوك ) شدني الوجع الذي شَعرت به ، فكيف يُمكن أن يُسبب هذا الكتاب وجع كذاك .

" كتابك جمرة كبيرة ، غصة وراء غصة ، كان يأكل من لحم يدي و قرنية عيني و بقايا ذاكرتي و آثار كفي جدتي وهي تمسح دموعي عندما كُنت أبكي وهي تحدثني عن النكبة . كلماتك محروقة مثل جثث الفلسطينيين في صبرا و شاتيلا استنشق رائحتها تعبق في مسام جلدي و ملابسي .. تخنقني . !"

هذا ما قد قالته بيروت للأديبة المصرية "رضوى عاشور" مؤلفة الكتاب ، حيث كتبت لها رسالة طويلة تحدثها عن شعورها نحو كتابها ، و حينما قرأتُ هذهِ الكلمات تولد لدي فضول لأشعر بما شَعرت به بيروت .. أردت أن أتحسس الألم ذاك ، أن أشعر به في جسدي و في قدماي خصوصاً !

بحثتُ عنه بين المكتبات لم أجده حيث كانت المكتبات في عمّان تنتظر الطبعة الثانية منه، حدثتُ صديقاتي عنه بلهفة ، و أصبح هاجسي الوحيد لفترة طويلة هو أن أجد هذا الكتاب لأتجرعه .

و أخيراً وجدته ولكن بعدما نسيت أمره لفترة حيث تجرعت ألم و موت من نوع أخر .

حينما عُدت إلى المنزل لم أنتظر كثيراً .. بدأت به ، لم أتردد فكُنت أعلم بأنني سأبكي كثيراً و أنا أقرأ سطوره .

عندما وصلتُ إلى ذروة الأحداث (بيروت في ال 1982 ) لم أستطع أن أكملها أغلقتُ الكتاب و وضعتُ يدي على فمي كي لا أصرخ .. بكيتُ بصمت حتى لا ايقظ أحد على بُكائي ، نمت بصعوبة تلك الليلة .. كان لا بد لي أن أغلق جفوني قليلاً و يا ليتني لم أغلقها .. أستيقظت و عندما أدركت ما شعرت به الليلة الماضية بعثت برسالة لبيروت :

" أي طائرات تلك يا بيروت التي قصفت جسدي و ذاكرتي امس ، حاولت أن أنهي الطنطورية و لكن يبدو انها هي التي انهتني كلياً .

فعلاً أن نظرتي الرومانسية لفلسطين كما قلتي لي ، و شوقي لها كما لو كنت أشتاق لرجُلي .. هي التي ستقتلني يوماً .قصفت يا بيروت ! قصفتُ في بيروت هربت إلى البحر من القصف و الشظايا التي احسست بها كما لو انني اصبت بها في الحقيقة و ليس في حلمي أو كابوسي المرهق فقط . ذهبت للبحر يا بيروت لم اجده ! صرخت باحثتاً عنه لم اجده ..

استيقظت من كابوسي مرتعبة.. للأن لم أنم ، أبتعدت عن الكتاب ، وضعته بعيداً بجانب كتاب زمن الخيول البيضاء !!!

أخاف من أنهيه يا بيروت ! أخاف من أن انهي زمن الخيول البيضاء !! "

أنهيته بعد مرور فترة قصيرة على تلك الليلة .... و شعرتُ بمعنى اللجوء أكثر .. شعرتُ بمعنى المخيم ، و بما فقدناه نحن عندما لم يحالفنا الحظ ولم نولد في العشرينات ، و لم نعش ما عاشته بطلة الرواية ( رقية ) من الوطن .

كان ينبغي علي أن أقوم بثورة على هذا القدر المعجون بلون الدم و رائحة الموت و الخيم التي ترشح ماء . كان ينبغي علي أن أقوم بثورة على والدي لأنه هو الذي جعلني فلسطينية أكثر مما ينبغي علي أن أكون ! ..

انهيته ، و لكنني لم أنهي الكتاب الثاني "زمن الخيول البيضاء" لأبراهيم نصرالله ، ذاك الزمن الجميل الذي لا أريد أن أعترف بأنه أنتهى و شُرد من شُرد ، و أسُتشهد من أسُتشهد ، و خانَ من خان !!.

الأحد، 13 نوفمبر 2011

أصنام !

صورة تعبيرية أخت فلاته !

لا زال لدينا هُنا ( في الوطن العربي ) أصنام يصنعها المواطن بكامل إرداته ليعبدونه ! ومن حيث لا يدري أحد يُصبح لهاذا الصنم فاه متحرك و صوت قبيح ليلقي خطبة على عباده ، فيقول عن منصة شاهقة ( إيها الشعب *** العظيم ) .. يسفقون له ! يرفعون صوره ثم يسجدون مُقبلين رأسه ( الغبي ) و يهتفون ( بالروح بالدم نفديك يا **** ) ! و ينسون بإنه قد يمر عليه يوم و يشعر بإن هُناك خطر يحوم حول عرشه فينزل عليهم لعنة جيشه ! ..

أنني أكره هؤلاء الذين يمجدون حُكامنا الذين يجولون ببدلهم و شماغاتهم الأوروبية في اروقة قصور مؤتمراتهم المصيرية ! التي لا تسوي الرقعة التي تَستر على ثقب بنطال مُهترء لعامل أستيقظ مُبكراً ليبني الوطن .. .


الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

نار ! .. Fire

النار .. حلوة !




قوي عود الشجر ، بس مش قدام النار !


النار .. رغم أنها حارقة و مؤلمة إلا أنها بتملك ألوان شهية !.

الأحد، 30 أكتوبر 2011

القصة مش قصة كفر تفهمونيش غلط !


يا رب إنا نُحبك .. و لكِننا نُحب الحياة و الأرض و البحر أيضاً .. كُن عادلاً ولو لمرة واحدة بالنسبة لإطفال غزة ! ، فهم يستحقون حياة تخلو من جملة : بخاف أنام ! ، بلاش الطيارات تقصفنا في الليل و ما أصحاش ! وقتها مين بده يلعب مع أخوي الصغير ؟!! .




السبت، 22 أكتوبر 2011

الأحد، 9 أكتوبر 2011

و هلّأ لوين ؟!

لينا خالد / عمّان

أنا لستُ ناقدة سينمائية ! و إنما كمشاهدة ، أرغب أن أقدم لكم وجهة نظري حول هذا الفيلم الرائع .

فيلم "و هلأ لوين ؟" هوالعمل الثاني للمخرجة اللبنانية "نادين لبكي" ، حيث كتبته بعام 2007 أثر إندلاع أشتباكات مسلحة "بين طائفتين " محُاولة لإحداث تغير في العالم كمُخرجة سينمائية بمساعدة كاتبين آخرين ، و قامت أيضاً بأخراج الفيلم و مثلت به أحد أدوار البطولة .

يبدء الفيلم بمقطوعة " رقصة الجنازة " للمُوسيقار اللبناني خالد مزنر ،برفقة مشهد لمجموعة نساء ( مسيحيات و مسلمات ) يرقصون بأسى حاملين صور أبنائهم و ازواجهم الذين قتلوا جراء احد الأشتباكات الطائفية ، وهم يتوجهون نحو مقبرة "ضيعتهم المقطوعة " ..و عند إنتهاء المقطوعة يفترقون حيث قد وصلوا إلى الطريق الذي يفصل بين الجزء المخصص للمسلميين و المسيحيين من المقبرة ! .

المهم ، نادين بهذا الفيلم أستطاعت بمساعدة الموسيقى خاصة أن تنقلنا من مشهد إلى مشهد أخر بطريقة رائعة جداً ، حيث بأنني بكيت في مشهد و ضحكت بالمشهد الذي يليه و وصلت إلى حالة روحية لم أصل لها قبل ، في المشهد الذي يلي هذه المشاهد ..

و بتسلسل أحداث الفيلم استطاعت أيضاً أن تروي حكاية هذه الضيعة التي تعبر عن المجتمع اللبناني و العربي بطريقة مُصغرة ، و مؤلمة كصفعة على الوجه . لتجعلنا نستيقظ ونعي مدى عمق هذا الألم الذي نسببه للأخر منا .

ففي النهاية ، تجمعنا إنسانية واحدة و عبادة إله واحد ! ولا ينبغي علينا إن نلتفت إلى إختلاف طقوس العبادة هذه و نجعلها طريق قاطع بيننا .

و ينتهي الفيلم بمقطوعة موسيقية أطلق عليها مزنر أسم "الله " فهي تجمع بين كلمة ( الله أكبر لا إله إلا الله ) التكبير لدى المسلمين ، و (كيرليسون) التي تتكون من كلمة (كيريه و تعني يا رب ) و ( ايليسون وتعني أرحمنا ) وهي الشائعة في طقوس العبادة لدى المسيحيين .

مقطوعة "الله " هذه ترافق جنازة الصبي " نسيم " الذي قتل خلال احداث طائفية في بيروت ، ولكن حامليي النعش يتوقفوا عند وصولهم إلى الطريق الذي يفصل بين الجزئيين .. و يتسألوا " و هلأ لوين ؟! "

ينتهي الفيلم و هذا التساؤل مطروح ! .. فليومنا هذا لازال العربي يعاني من هذه الطائفية المزمنة.

بوجهة نظري ، نادين لبكي تفوقت بفيلمها هذا لدرجة أنها تستطيع وبكل قوة منافسة أفلام العالم على جائزة الأوسكار " لأفضل فيلم غير ناطق باللغة الأجنبية " و بعين قوية جداً . خصوصاً بعد فوزها بجائزة " أختيار الجمهور " بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي وهي الجائزة التي تعتبر مقدمة للفوز بالأوسكار .

نادين .. فتحت لنا أفق رائعة هي و مخرجيين عرب أخرون أمثال " أن ماري جاسر " و " إيلي سليمان " . لنتعلم منهم و نأخذهم قدوة لنا . لنصل بنتاجنا الفني لإعلى درجات النجاح . حيث أننا سنستطيع توصيل فكرة للمشاهد الغربي تشد أنتباهه لقضايا تخصنا قد يغيب عليها إعلامهم ، و توجيه صفعة للمشاهد العربي تيقظه من سباته إن لزم الإمر ذلك .ِ

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

يلا تنام

لينا خالد / عمّان

لرائحة الوطن حيزاً بذاكرتي !

تسللت عبر مجموعة أوراق صفراء ترقد على مكتبتي !

ابحث بين ثناياها عن رائحة زعتر ، رائحة البحر ، و رائحة الكولونيا ، و حبيبي ..

يأتي موشحاً بكوفيته السمراء من بعيد ، يلمحني اراقبه بشغف ، اغمض عيناي مختبأة منه !

يبتسم .. ابتسم !. يكمل الطريق لداره ، يترك رائحة البارود و السجائر و رائحة العشب الذي كان يغفو عليه على الطريق .. اراقبه يبتعد .. اركض .. ألم رائحته ، ألمها بحذر ، اخبئها بين يدي .. لأغفو عليها .

لرائحة الوطن حيزاً بذاكرتي ! رائحة تشبه آلة خشبية قديمة تغني !

تجعلني ارقص ، اجن ، ادور ، ارقص ، ادور ، اجن .. اطير بخفة اوتارها .. اعلو فوق احلامي ، اهبط برفق ، ثم اغفو .

لرائحة الوطن حيزاً بذاكرتي !

تمددت كما لو كانت جذور شجرة في جسدي ، من خلخالي الكنعاني ,, و نقوش ثوبي المطرز ..

لرائحة الوطن ، حيزاً بذاكرتي ، يغافلني .. يهلل لي لأغفو و أحلم ..

يلا تنام لينا .. يلا يجيها النوم

يلا تحب الوطن .. يلا ابعد عنها وجع كل يوم ..

يلا تنام يلا تنام ، لتحلم بطير الحمام ..

روح يا حمام وخذ بأيد لينا .. وديها على ارض السلام ..

يلا تنام .. .

الخميس، 28 يوليو 2011

الفارس .. عندما يترجل عن حِصانه




لينا خالد / عمان


كان الفرحُ رغيفنا ، دفئُنا الوحيد ..
وفارس كانَ أبتسامتُنا ، يسطوا بحصانهِ على قلوبِنا ،
لا يترجل ، يعشق برفق .. و يحلمُ بخفةَ ..



حقول لا نهاية و لا حتى بداية لها ، ينتشر أصفرارٌ ذهبي على مداها كأن الشمس بعثت لونها لتضيف على فرحنا بعضاً من الفرح !


فارس هناك .. يقفُ بيننا برفقة حصانهِ يعلنُ بصهيله جنونهُ و عشقه الابدي ..
نرقصُ على ألحان حبهم .. و يتجلوا أمامنا بحضرةَ الشمس و سنابلها ،

لا حب يعلوا على حبهم ، فهو الحب الذي يأخذ شكلَ السماء ..
نتعب من الفرح ، فحتى الفرح يُتعب صاحبهُ !
نستلقي على حافة احد كروم الكرك ، نستظلُ بها ،

نضحك ، و نضحك ..

******************
لا تترجل !!!!
نسمع هذا الصراخ ..
لا تترجل ، ابقى ..

لا تترجل ، يترجل و يبقى الحصانُ و حيدا..

يترجل .. يغيب .. لا يعود ..


لم ينوي الترجل ، لم يرغب بذلك فقد كان يحلمُ ، و يحب ، و يضحك ..
لم ينوي الترجل ، لم يرغب بذلك ، كان قوياً و جميلاً و دافئاً ..
لم ينوي الترجل ، لم يرغب بذلك .. هم أجبروه ، سرقوه ، اخذوه من بيننا

لم ينوي الترجل ، ولكنه ترجل !
ترجل الفارس ..
ترجل الفرح ، و أخذ مكانُه حُزننا ..

ترجل ، و لم يكن يرغبَ الترجلُ عن حصانه ، أن يبتعد عنا ، عنها ، عنهم ..
لم يكن يرغب الترجلُ ...... هم سرقوه ..
*************
كي لا يترجل عنا فارسٌ و فرحاً آخر ، كونوا جميلين كما أنتم بقلوبكم و ارواحكم ، و لتبتعدوا عن كل الطرق التي قد تسرقكم من بين ايدي احبابكم مبكراً .

اه
داء إلى روح الصديق فارس معايطة ، لروحك الخلود و السكينة إيها الفارس



>>

و ط ن !

*

لينا خالد / عمان

ثلاثة حروف تختصرُ الارض و السماء و البحر .. و حياة ما ..

و ط ن ، !

أخشى الأرض .. أخشى حين تلامس روحي بأن أقع ضحية العاشقين..

أخشى السماء .. من أن تبعث هواء لا تدركه رئتاي ، أخشى أن اسعل تعباً أو قهراً على هواء دربتُ رئتاي مراراً على استقباله ..!

-كان من المفروض ان ننتشي ..

- خاب ظني في نفسي و في الوطن ..

- لا ، ليس بعد ..

أخشى البحر .. أخشى أن لا يأخذنني إليه كما حلمتُ ..

- اقتربي دعي ألوان ثوبكِ تعانق قطرات مائي .. ذوبي إن شئتِ في تفاصيلي ... في ثناياي ...

أخشى تلك الحياة الـ ما ... أخشى أن تستقبلني راحلة عني و عنها ..

- كم من رحيل سيمر علي ..

- لا اعلم .. ربما اثنين أو أكثر .... أو اقل ..

أخشى الأرض .. أخشى السماء و البحر .. أخشى الحياة هناك ..

أخشى أن يخونني طعم البرتقال .. أن تلسعني رائحة النبيذ .. أن ينساني دفء الرغيف ..

أخشى الأرض .. أخشى السماء و البحر .. أخشى الحياة هناك ..

أخشى الوطــــــــــن ..

* ميرون ، رسمة للفنانة الفلسطينية أمل كعوش

بدي وطن ..

الجمعة، 17 يونيو 2011

ملح الهوية / بقلم بيروت حمود

مجد الكروم/ فلسطين

لتواجه انفصام الهوية لا يكفي أن تكون مستعدًا لمنازلة القدر, تتفوق عليه أو تخرج خاسرًا من النزال, كما لا يسعفك أن تسابق الزمن فتتعلم كيف تخوض العتمة والضوء في الوقت ذاته؛ عليك أن تدرك مسبقًا أن الأغنية التي اغتالت لسانك وأصرت عليك أن ترددها دون أن تدع لك فسحة لاكتشاف سببٍ لذلك, وأن المرآة التي تعثرت بشظايا نفسك عليها فأدميت روحك فوقها, ذلك الصباح, كانتا تحيكان لك الفوضى لتمنعان عنك برد عزلتك.

لم أفرق بين الوجه الضاحك في المرآة والآخر العابس في القلب, كان هنالك خيط ممتد بين فرح وحزن وكان قلبي هو الخيط عينه.

لم يطفو فضولي على سطح الأسئلة ولم أغمر أحدًا بقلقي أو توتري, لم أكن بندول ساعةٍ, لم أزعج أحدًا برنيني, لم أحتر ولم أفكر طويلاً فكانت قد نشأت عندي منذ زمن سحيق عاطفة عفوية تجاه التنقل والترحال ولكم هي شبيهة بعاطفة الأم تجاه الوليد فرحت ألملم أغراضي خلال زمن يكفيني لأتذكر ما أنا بحاجةٍ إليه وما أنا بغنى عنه, كنت أحاول تذكر الأشياء الضرورية ( قطارة العيون, الأدوية المضادة للأمراض المرهونة بتبدل الطقس, الإبرة والخيط, قلم الحبر والورقة البيضاء والكتاب الذي لم أنتهي من قراءته ...), لكنني لم افطن قط لحمل كل المناديل التي صادفتها في حياتي ربما لأنني لم أتوقع أن يلاقيني الحزن في "الواقع الحلم" بهذا الشكل.

من مجد الكروم حتى حيفا أخذت أنظر من شباك الحافلة لا إلى السهول التي يختلط خضارها بصفارها على جانبي الطريق, تلك السُهول التي تفعل فِعْل السحر في النفس, بل إلى مخزن الحافلة, على وجه الخصوص حينما كانت تتوقف عند المحطات فقد كنت قد وضعت حقيبتي هناك وكنت أخشى أن يختلط الأمر على أحد الجنود فيحملها معه لظنه أنها حقيبته فهي شبيهة بحقائبالعساكر وكنت قد اخترتها لهذا السبب بالتحديد .

لم أراقب الراكبين. لم يرفعني المقعد إلى هاوية القنبلة أو يخفضني إلى فكرة الهوية. لم أتذكر من رغب في هذا المقعد ولم يطله أو من تفجر فوقه وأحرق سهل السنابل قبل الحصاد. كنت كمن يقود سيارته في موقع تحت سطح البحر لا يعود يستطيع سماع ما يحدث حوله لكنه يصغي إلى ضجيج دخيلته دون أن يعرف ترجمة الذبذبات التي تصله من عمق ذاته.

كنت إذًا قد قطعت الطرق من مجد الكروم إلى حيفا ثم صرت في الطريق إلى رام الله وربما كنت في طريقي إلى رام ثم إلى الله لا أستطيع الجزم, فطالما صوروا لنا في دروس الدين أن الطريق إلى الله شبيه بالحلم فهو الطريق الوحيد الذي يمكنك أن تشاهد فيه حصان يركب على فارس وأم ترضع من وليدها وسيارة تمشي على أربعة أرجل وفأر يلعب مع قط وربما إلى الحد الذي يغازل فيه جندي صهيوني فلسطينية في العشرين دون أن يخدش أحدهما هوية الآخر..رام الله تريك العجب: يحدث أن تمنح اللاجئين حق العودة ولو مؤقتًا إليها _ إلى فلسطين .

حدث تسامي في المشاعر والأحاسيس تحولت الخيبة إلى غيمة, والغيمة أمطرت نارًا, والنار سكبت بردًا في نتوئي. كان اللقاء شبيه بالرعشة الأولى واللذة الأولى والقبلة الأولى, كانت تلك هي الصدفة التي قصمت ظهر القدر وأقعدته كسيحًا على كرسي المقعدين. راحت الصدفة تتوالى كخرزات المسبحة واحدة تسقط لتلحق بالأخرى وكأن هذا الفراغ بينها هو الجاذب الذي ينوب عن الخيط المقطوع, لنفترض أنني سأفكر الآن في المسبحة أو فكرت حينها في المسبحة هل كنت سأجزم أنها نوع من أنواع العبقرية التي يتجلى في خرزاتها اسم الرب في دعاء المساكين بين حركة الإبهام والسبابة بين خرزة "الحَمدُ لله" وخرزة "الله أكبر" أو خرزة "سبحان الله" ؟!.

لم أكن لأتصور أن الحب يختبأ في الأماكن الأمامية لا يحسب حسابًا للتفاصيل الكبيرة بقدر ما يحتضن بحرص التفاصيل الصغيرة لولا تعثرنا بالصدفة. الحق إنني تمنيت حينها أن تزورني كل الحشرات الليلية وتتناوب على لسع جسدي لتخلصني من الخدر الوهمي, ذلك الخدر الذي أخذ يتمشى في أعطافي متقدمًا داخل أعماقي البدائية يدب السُكَرَ والنشوة في أوداجي حتى خيل إليّ أنني أسمع صوت أوكتافيا آتيا من الرق السادس (النقطة الفاصلة) في رواية عزازيل وهي تقول "عندنا نبيذ يكفينا لألف سنة.تعال إلى هذه الناحية ففيها النبيذ المعتق الذي عُصر في أجود السنوات".

امتد سفرهم ساعات طوال بدأ في لبنان في غرف التحقيق السري مرورًا بسوريا المتأججة ثم الأردن المخصي حتى حواجز الذل الإسرائيلية والأسئلة المتلاحقة حول السلاح وهدف الزيارة ثم أخيرًا "حبة السمسم" _فلسطين.

فاض الوهم بالحقيقة, العدم بالوجود,الكذب بالصدق..انتفضنا ثم ارتجفنا دفعة واحدة فأمطرت عيوننا الحزن الحبيس في المآقي تدافعت أحزانا, أشواقنا وأفراحنا لتستقبلهم بصدقها بأسئلتها وأجوبتها, وامتدت أيادينا لتعانقهم لتلمس حقيقتهم؛ كان ذلك حقيقة وليس (بروفا) لتمثيل حق العودة.

ها همُ هنا, بيننا على أرض فلسطين. توقف أيها الجرح للحظة عن النزيف, توقف أيها المخاض العسير ها هم هنا في حضننا, ها هم هنا .. ها هم هنا.

***

في الطابق السادس, فندق "البيست ايسترن", غرفة رقم (607) من الجهة الشمالية؛ توقفنا نراقب رام الله صباحًا, رام الله مساءً, رام الله عفوًا, رام الله قصدًا, رام الله في الغياب, رام الله في الحضور,كانت صبية من مخيم (عين الحلوة) تجلس بالقرب مني تقول في وجومٍ أنها لن تصدق مطلقًا أنها زارت فلسطين.

أخذت تحدثني عن تفاصيل حياتهم, عن مخيم (عين الحلوة) عن الساعات التي تفيض بالملل والحزن والحياة التي بغير هدف عن تدخل الأمن في كل شاردة وواردة وعن اللاجئين الذين انتهى بهم حب فلسطين إلى الانتحار أو مغادرة المخيم إلى غير وجهة محددة.عن المقاهي الفقيرة وروادها البؤساء الذين يصرفون أيامهم في لعب الورق أو الطاولة.

_ المخيم صحراء صغيرة بلا حدود ونحن لسنا سوى ظلال في ظهيرة حارة, نحن أقل من أن نكون صبارًا تحميه أشواكه من لسعات الحر.. نحن عَدَمْ, أتعرفين ماذا يعني عَدَمْ؟. إذا أردنا أن نصلح شباكًا مكسورًا علينا أن نحضر تصريحًا ونمر على أربعةِ حواجز تفتيش حتى يسمح لنا جناب الأمن اللبناني بذلك. لقد سألتني في الأمس عن بعض الفتيات لماذا تبدو أجسادهن صغيرة هكذا مع أن أعمارهن تجاوزت العشرين, أتعرفين لماذا ؟ لأنهم يعانون خللًا في النمو, لأنهم لا يتناولون غذاءً صحيًا فنحن نأكل ما توزعه علينا الوكالة.. حتى عندنا جملة أصبحنا نرددها عند الضيق (رحمة الله والأنروا), أتعرفين هذه القصص عن الفقراء الذين يلبسون ملابس جديدة في أيام العيد فقط ؟! عندنا في المخيمات من يلبس قطعة جديدة في أيام العيد نقول عنه (واصل)..

خرجت من الغرفة, من الحبس إلى الحبس. في المصعد تبادلنا التحية, الابتسامة والدمعة وجلسنا متقابلين على طاولة في غرفة الاستقبال كأن أحدهم يحركنا ويحدد وجهتنا.

لم أسأله عن اسمه ولا عن عنوان خيمته الحالية, كان يكفيني العُري الفاضح للحزن الذي يشع من عينيه كي أعرف الإجابات بنفسي.

هو بدأ بالحديث الذي أمتد بيننا حبلاً رفيعًا من الأمل الشقي.

_ أترين هذه الصورة ؟! .. هذه التي على شاشة الحاسوب ..؟

بابتسامة وحركة اهتزازية للرأس أجبته بالإيجاب .

_هذه الصورة التقطها في الشام..

_إذًا تعمل في التصوير ..

_ لا. لا أعمل في شيء محدد, قد يكون عملي الحالي هو الكتابة.. لكن التصوير هواية وسيبقى كذلك .. أتعرفين شيئًا يا بيروت ( يتوقف للحظة يبتلع ريقه, كأن بيروت الاسم المكتوب في جواز السفر الأزرق تحول إلى تفاحة جولانية تحمل ختمًا إسرائيليًا), إن مخيم اليرموك صورة كبيرة متحجرة, لا يشبه المخيمات الفلسطينية الأخرى حتى أن الوكالة أخرجته من تعريف المخيم, بالنسبة لي هو الأكثر تعقيدًا بين المخيمات كلها فهو جامع لعدد كبير من التناقضات فيه الحزن والفرح المتعلمون والبؤساء أصحاب رؤوس الأموال والفقراء, يستيقظ الناس فيه على مهل يرتشفون الصباح بروية وينظرون إلى السماء التي ربما تمطر خبرًا طريًا عن فلسطين ويمضون إلى يومهم يعبرون الطرق المرصوصة جدرانها بصور الشهداء الذين مضوا إلى موتهم في حرب أطلقوا عليها حرب التحرير... إذا سنحت لكِ الفرصة ذات يوم بزيارة المخيم سترين انه مخيم على سطح مدينة, أقول ذلك لأن الشبان يبنون بيوتهم من ألواح الزنك فوق أسطح بيوت أهلهم كأنهم يرفضون المسكن الدائم ولا يريدون سوى المؤقت لأنهم يريدون العودة إلى البلد الذي يتحدث عنه أهلنا وأجدادنا..إلى فلسطين.

"إن الدخول إلى سوريا ليس بذلك الأمر الصعب, يختمون لكِ على ورقة خارجية دون أن يُخدش جوازك والسلام. لكن ماذا ؟ يبقى التنسيق الأمني بين المخابرات الأردنية والمخابرات الإسرائيلية ..أي سيعرف أولاد عمنا أنك كنتِ في سوريا ..وماذا عندها.. لا شيء أبعد من الحبس المؤبد.."

لماذا لاحت في ذهني شرائط النذور فوق قبر "الشيخ سريس", لست أدري.

كنت مبهورة بفستاني الأحمر الذي لم يغطي إلا جزءً صغيرًا من ساقيَّ وكان يعكر هذا الانبهار هزات عنيفة للسيارة التي كانت تتقدم بنا في طريق بدا لي أنه لن ينتهي أبدًا. كنت قد تكورتُ في حضن جدتي مثل جنين وأخذت أمص بإبهامي وأتحسس قماش الفستان الناعم دون أن أدع للكرى منفذًا إلى عينيّ فكنت أرفع رأسي بين الحين والآخر لأتأكد أننا لم نقطع بعد التل التي دفن فيها الشيخ, إذ كنت قد عاهدت نفسي أن أطفئ نيران الأسئلة التي اشرأبت في داخلي تستفسر عن قصة الشرائط الخضراء التي ربطها الناس لتظلل ذلك القبر.

في الطريق, على الجهة المقابلة لموقع القبر استوقف أنظاري شيء أعمق من التوسل إلى روح كامنة في حجر وأبعدَ من التمسح "بالغسيل الملائكي" المنشور على أغصان شجرة السريس.

كان عقلي وبصري قد امتدا إلى طائرة إسرائيلية مغروسة في التل لكن بالمقلوب؛ بقيت أحدق مثل بوم لكنني لم أسأل جدتي ولا أبي الذي كان يقود السيارة إلى مستشفى نهاريا_ لنزور جدته الراقدة هناك تقضي آخر أيامها معلقة بأسلاك وأجهزة طبية, عن قصة الطائرة, ذلك أنني رحت أَتقيؤ إثر صداع ودوار عنيفين.

كنت أصعد السلم قاصدة غرفة الطعام أتساءل بيني وبين ذاتي عن سبب يدعو لتذكر تلك الحادثة ولكنني عبرت الدرجات العشر الأوائل دون أن أصل إلى إجابة محددة, وكانت صديقة لي تنتظرني عند باب صالة الطعام وقد وقفت تحادث رجلاً بدا لي مألوفًا_مع أنه لا يزال يحتفظ ببعض السواد في شعره إلا أنه يبدو في السبعين من العمر أو أكثر قليلاً.

توقفت على بُعد مترين منهم, متظاهرة بالانشغال في الرد على رسالة كانت قد وصلتني للتو ذلك حتى لا أقطع حديثهما إلا أن عقلي وقلبي كانا يتنازعان فيما بينهما لمعرفة هوية ذلك الرجل.

نادتني الصديقة لندخل. أما الرجل فراح يتفحصني بابتسامة لطيفة ولم أستطع إلا أن أرد له بمثلها.

_ما عرفتنا على صاحبتك. قال ذلك بينما نحن نهم بالدخول.

توقفت أتلمس تلك اللحظة الغريبة التي تمنيت فيها أن تتوقف الكرة الأرضية عن الدوران ويتوقف منظار (هابل) العملاق عن مراقبة وتصوير المجرة المتمددة حتى أسجل هذه اللحظة التي نزعت بذرتها بذاكرتي الصورية المتهشمة.

عرفته باسمي واسم بلدتي, فصمت يبتلع دهشة وغصة في آن واحد أما أنا فرحت أتابع مشهد عيناه وهي تتحضر لموسم الحزن وهطول ذكريات ربما كان قد دفنها منذ أربعين عام أو أكثر.

_مجد الكروم .. آه, آه. أتعرفين أنني مستقر الآن في تونس وأن( بشر بشر), جاري.

صُعقت. أخذت أبحث كالمجنونة في أرشيف الذاكرة عن هذا الاسم.

فسألته,

_بشر قريب أحمد بشر ..؟

_أتعرفين أحمد؟!.

_لا أعرفه شخصيًا, فقد استشهد قبل أن أولد بعشرين سنة, جدي حدثني عنه وعن بطولاته.

_أي حزن سيدب فيّ الآن وأي جروح ستفتحين؟

ابتسمت ابتسامة بلهاء. أخذ يدي في يده وجرني إلى طاولة يحدها عامود, جلست بأمر منه كأنني قد أاقترفت ذنبًا سأحاسب عليه الآن.

_قاسم أبو خضرة .. محمد غريفات.. عمر السيلاوي .. فوزي نمر..عبد حزبوز..رامز خليفة.. فتح الله السقا..يوسف أبو الخير.. محمود أبو الصغير.. أحمد بشر..راجح بشر..عمر منصور .

راحت دمعتان تجريان على خديه وخُيل إليّ أن هذا الحديث كان معلقًا منذ زمن وأن هذا الإنسان الجالس قبالتي قد سجل موقعًا باسمه على رصيف التعب وأخذ ينتظر رحمة تنزل من السماء فتشفيه من علة التذكر.

لقد سمعت عن هذه الأسماء وربما قرأتها,لكن أين .. أين أيتها الذاكرة اللعينة ؟!(رحت أتمتم بيني وبين ذاتي).

غَير مجرى الحديث, فراح يحدثني عن دير الراهبات في مدينة الناصرة, ذلك الدير الذي كان على قمة جبل وكانت العذارى فيه من "أجمل جميلات فلسطين" ينذرن أرواحهن وقلوبهن ليسوع المسيح. ولم يكن أحد يجرؤ أن يقترب من ذلك الدير, أما هو فقد كان يذهب إلى هناك ليسترق النَظَرَ إلى راهبة حنطية البشرة شقراء الشعر, وذات يوم شاهدته الراهبة فأحبته ..

_لكن ماذا أقول لكِ؟ أقول جملتي التي قلتها في تونس في الاجتماع الذي عقد لمناقشة اتفاق أوسلو في حينه.. طز في هيك دولة ما فيها مقيبلة !. مرة أخرى طز في هيك دولة ما فيها مقيبلة.

فضحكت على جملته وعلى حديثه المتنقل بين حادث وآخر في ازدحام.

_أتعرفين ماذا يميزكن..أنتن بنات الجليل؟

قلت مبتسمة:

_ لا شك في أننا أجمل الجميلات وربما هذا ما يميزنا.

فاجئني:

_ بل كعاب أقدامكن!.

أحسست بحرارة تخرج من ذلك الكعب فابتسمت بخجل وحنيت رأسي لأضحك في سري.

_كان في القرية صبية اسمها فريدة, تكبرني بنحو ستة أعوام, كان لها كعب ليس له مثل في الدنيا. كانت تحمل جرتها على رأسها لتذهب مثل باقي الصبايا تعبئ الماء من العين وكنت أنا أنزوي خلف زيتونة قرب العين حتى تأتي فأملئ عينيّ من جمالها وكان أكثر ما يدهشني خلخالها الرنان وهو يهتز باهتزاز قامتها الرشيقة, أما كعبها المقوس.. ماذا سأحكي لكِ عنه ..آه.. راحت تلك الأيام ..

مسح دموعه بمنديل قد كنت ناولته إياه . وتابع قائلاً:

_مع أنها تكبرني إلا إنني أحببتها وهي في الحقيقة كانت تلاطفني وتمازحني حتى أنها كانت تحضنني في بعض الأحيانِ. ذات يوم عندما كانت ذاهبة إلى العين لحقت بها كعادتي وفي الطريق انحدرت هي إلى كرم الزيتون إذ كان ينتظرها شاب من القرية اسمه ياسر وما هي إلا لحظات حتى كانت في حضنه تبادله القبل. جن جنوني حينها ولم أكظم غيظي حتى أتى يوم كان هنالك عرس في القرية.

في أيام زمان كانت كل القرية تتجمع في العرس, وكنت أنا أتقن الزجل وأعزف على الأرغول .. يومها قلت في لقاء فريدة وياسر قولاً فانتفضت القرية وأخذت كلها تلوك وتعلك بخبرهما وحتى يستر أبوها الفضيحة زوجها منه ورحلت عائلتهما إلى الأردن.. ومن يومها لم أرها.

وبعد هذا الحادث بسنوات هُجرنا. هناك من التجأ إلى الأردن أو إلى سوريا, عائلتنا التجأت إلى لبنان..راحت الأيام .

ذات يوم كنت أعمل في مركز الأبحاث في بيروت فجاء شاب يبحث عن خاله توفيق فياض, فقلت له أنا توفيق فياض لكنني لست خالاً لأحد. فألح أنني خاله, ولمّا سألته ابن من تكون قال أنا ابن ياسر وأمي فريدة فصعقت وبكيت كما أبكي الآن..أتعرفين ماذا أخبرني حينها؟

سألت بأسى:

_ ماذا؟

_قال أن أمه عميت وماتت بعد ذلك حزنًا وكانت وصيتها أن يسلم عليّ.

نظرت حولي, كان قد مضى ربما نصف ساعة على حديثنا وكان الجالسون قد ملئوا أطباقهم وبدئوا بتناول الفطور.

مئة وخمسون وجهًا توزعت على الطاولات لكن الوجوه جميعًا تجمعت في وجه واحدٍ يردد بيت شعر من قصيدة (الحرب لم تخلع نقابها) للشاعرة الفلسطينية روز الشوملي:

"يا فجرنا

هل تغفر لنا خطيئتنا

حين وقفنا نشد الحبل

متعاكسين

فآثرنا النقصان

على اكتمال الوطن؟!".

هرعت إلى غرفتي, دفنت رأسي في الوسادة وأقحمت في البكاء. يمكن للمرء ارتجال بيت شعر أو ارتجال خطبة أو تعرفون يمكنه أن يرتجل ديوانًا كاملًا بلا أخطاء لكن كيف للمرء أن يرتجل الفرح أمام وجوه قلصها الحزن ومددها ما بين حرب وحصار ؟!.

فتحت جواز السفر الأزرق, هنالك جرح في الهوية ينزف دمًا أخضر.

أردت قبل اليوم أن أخرج بسلام من منطقة "البين بين" من الحيز الصغير الكفيل بأن يستجاب فيه دعاء متنقلٌ بين خرزات المسبحة ذلك أن هذه المساحة الصغيرة فيها من القلق والتوتر ما يعادل تهريب فلسطيني على حاجز إسرائيلي, كان ذلك لا كي أحدد تطرفًا عاطفيًا بمحض إرادتي يقيني من الزلات والنزوات ولا لأن القلب كان في سفر دائم بين مستحيلين وممكن بل لأن مع الدوار الذي أصاب هذا الكوكب منذ البدء عطلٌ ما معنويٌ أصاب القلبَ فلم يعد عنده معنى للجنون .

كان الطريق مثل متاهات المرايا, متعرج شائك كذاكرة اختلطت فيها الأحزان بالأفراحِ, كل إشارات المرور فيه توقفت عند الأصفر : كن مستعدًا للعبة ورق يوزعها قدر خبيث.

عمان:

صباحًا _ شارعٌ شاردٌ بحضارة عربية تؤثث جانبيه, تمشي فيه متأملاً لافتات كتب عليها (ش. ساطع الحصري, ش. إبن رشد, ش. مشيل عفلق...), تتنقل ما بين مقهىً وسوق, الابتسامة واحدة لا تفارق وجهك لا لافتة عبرية تزعجك لا شارع إسحاق رابين ولا شارع غولدا مائير ولا جندي صهيونيٌ عاد من الخدمة ينتظر في المحطة حافلة تنقله إلى وجهة لا تعنيه ولا يعنيها.

ظهراً تغمس بالخبز العربي حمصًا لم تذق مثله قبل اليوم, تتناول على سبيل التبريد زجاجة بترا فتتساءل أيهما ألذ (طيبة) أم (بترا)؟ _ولأنك تحبُ فلسطين أكثر فتقول أن (طيبة) هي الأطيب. وأنت تخرج إلى الشارع ترتفع عيناك إلى مباني شقت طريقها إلى الله تستمد طوبها من أموال( سعد الحريري)؛ يتقدم وجهك برفق نحوك وجهك الحاضر الغائب أول مرآة تريك نفسك: طفلة في السادسة مدت يدها إلى المارين تتوسل فيهم ما فاض من جيوبهم من عبء البورصات. يشدك خضار عيناها تتقدم منها وهي تكيل لكَ دعاءً من السترة والتوفيق.

تقول لكَ بعد أن ألححت في السؤال عن اسمها :

_أنا يارا, من تشفر تشدوم قضا نابلس.

يارا الصدمة, الرعشة ويارا امتشاق البنادق في وجه المغيب. كل غبار وطين الخيام الذي غطاها وتداخل في شقوق وروافد وجه أجدادنا لم يغطي ولم يمحو لهجتها الأصل.

أيها البلد المخصي من عبد الله الأول إلى عبد الله الثاني لماذا بروجكم أبعد من السماءِ امتدت, ونحن ليس لنا على الأرض إلا فتات ننازع عليها العصافير ؟.

مخيم إربد :

يقدم لكَ القهوةَ شيخٌ فلسطينيٌ, يطمئنك أن القهوة مغلية أكثر من المعتاد ومرة كالعلقم كما تحب, ينصحك أن تقلع عن التدخين ( الإنجليز كانوا يبادلوننا التبغ بالقمح, هذا خبث منهم فاتركوه), يحدثك عن يافا وعن برتقالها, عن الجليل وزيتونه, يشعرك_كما همُ دبوا فيّ إحساسًا _أن فلسطين شيءٌ لا يثمن إلا بالدم يحملكَ وصية أن تزور طيرة حيفا وتصلي فوق ترابها صلاة منه ثم تقبل الأرض عوضًا عنه. فهل أديت الوصية؟

أغلقت جواز سفري الأزرق وأنا أعاود استرجاع آخر أسئلة المخابرات الأردنية حول الزيارة وأهدافها. تساءلت: في اللحظة التي سأعبر فيها حاجز (قلنديا) كم وصية سأحمل معي دون أن أمتلك القدرة والمجاز على تأديتها ؟.

حملت حقيبتي وخرجت من الغرفة استعدادًا لزيارة ضريح الشهيد (أبوعمار) وكان أول وجه التقيت فيه فور خروجي هو وجه الشاعر( أحمد دخيل) فبادرني التحية ثم ابتسم وردد (اشهد يا عالم علينا وعَ بيروت).

في زيارة الضريح لم يكن هنالك شيء يفرح أو يعزي, كان كل شيء يدعو للحزن بدءً من الحجر الذي أعطاني إياه طفلٌ من مخيم عين الحلوة وهو يقول (هذا حجر من فلسطين فاحفظيه) وعندما أخبرته أنني هنا وأنه هو من عليه أن يحمل تذكارًا معه إلى لبنان رد أنني هنا حاضرة غائبة وأنه أكبر من أن يتمسك بالرومانسيات الوضيعة .

البرستيج العسكري والقفص الزجاجي وكل هذه الأحجار ..هل هذا ما تمناه أبو عمار ؟!

لماذا كنا نبكي؟

لماذا كنا نصرخ في دخيلتنا؟

هل كنا نبكي فرحة اللقاء أم حزن الفراق؟ هل كنا نبكي شفقة على أنفسنا ؟ أكنا نبكي لأننا ارتضينا بالنقصان أم لأننا ساوينا بين الواقف خلف المتاريس يصنع من غبار قدمه سماء للمرحلة القادمة وبين من يقف خلف المنصة يردح بآلاف الشعارات البالية ؟

لماذا لا تجيبُ أيها القلب المسكون بالصدى ؟

في بيت لحم, كان لا يختلف أن تكون في العام 2007 وتسمع نشرة أخبار طازجة عن دم فلسطيني نزف بسيف "الإخوة" وقت الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس؛ وبين أن تكون في ساحة المهد في العام 2011 تتحضر لدخول الكنيسة مع اللاجئين فيأتي أحدهم ليهمس في أذنك : انتبه وأنت تدخل أن لا تحني رأسك للصليب !

***

أحقًا رحلتم؟!

لوجهكِ, لوجهكَ, لوجوهكم نزيفًا من الدمع يلاحقني, يتربص بي عند كل منعطف فيغرقني حزنًا. للفراق طعم مُرٌ, لي من بعدكم كلمة عن الحب تعني فلسطين.

أتذكركم :

في مقهى فلسطين, دمنا العربي يزحف نازفًا على الحدود, عيوننا تتابع شاشة واحدة :

عشرة شهداء في مارون الرأس, أربعة شهداء في الجولان السوري ,جرحى.. معتقلين على حاجز قلنديا .. عندما كان شكلاً واحدًا لوجه واحد لعملة واحدة عندما كنا نحن ولا شيء غيرنا.