لكي نعود إلى هناك ، لا بد أن نكون في مكان ما ، فالعائد إن عاد لا يعود من عدم..

محمود درويش

الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الطنطورية


لينا خالد / عمّان

لم أتوقع أبداً أن يأتي كتاب ليحكي لنا قصُتنا بالتفصيل ، حبنا للأرض المرتبطة بالذاكرة .. اللجوء .. الخوف .. الموت .. و الألم الذين تسللوا إلينا عبر اثواب جداتنا .

لم أتوقع أبداً بأن أقرأ تفاصيل حياتي كلاجئة فلسطينية عبر هذه الكتب .. الأول كان الطنطورية ، حدثتني عنه أحدا صديقاتي على ( الفيس بوك ) شدني الوجع الذي شَعرت به ، فكيف يُمكن أن يُسبب هذا الكتاب وجع كذاك .

" كتابك جمرة كبيرة ، غصة وراء غصة ، كان يأكل من لحم يدي و قرنية عيني و بقايا ذاكرتي و آثار كفي جدتي وهي تمسح دموعي عندما كُنت أبكي وهي تحدثني عن النكبة . كلماتك محروقة مثل جثث الفلسطينيين في صبرا و شاتيلا استنشق رائحتها تعبق في مسام جلدي و ملابسي .. تخنقني . !"

هذا ما قد قالته بيروت للأديبة المصرية "رضوى عاشور" مؤلفة الكتاب ، حيث كتبت لها رسالة طويلة تحدثها عن شعورها نحو كتابها ، و حينما قرأتُ هذهِ الكلمات تولد لدي فضول لأشعر بما شَعرت به بيروت .. أردت أن أتحسس الألم ذاك ، أن أشعر به في جسدي و في قدماي خصوصاً !

بحثتُ عنه بين المكتبات لم أجده حيث كانت المكتبات في عمّان تنتظر الطبعة الثانية منه، حدثتُ صديقاتي عنه بلهفة ، و أصبح هاجسي الوحيد لفترة طويلة هو أن أجد هذا الكتاب لأتجرعه .

و أخيراً وجدته ولكن بعدما نسيت أمره لفترة حيث تجرعت ألم و موت من نوع أخر .

حينما عُدت إلى المنزل لم أنتظر كثيراً .. بدأت به ، لم أتردد فكُنت أعلم بأنني سأبكي كثيراً و أنا أقرأ سطوره .

عندما وصلتُ إلى ذروة الأحداث (بيروت في ال 1982 ) لم أستطع أن أكملها أغلقتُ الكتاب و وضعتُ يدي على فمي كي لا أصرخ .. بكيتُ بصمت حتى لا ايقظ أحد على بُكائي ، نمت بصعوبة تلك الليلة .. كان لا بد لي أن أغلق جفوني قليلاً و يا ليتني لم أغلقها .. أستيقظت و عندما أدركت ما شعرت به الليلة الماضية بعثت برسالة لبيروت :

" أي طائرات تلك يا بيروت التي قصفت جسدي و ذاكرتي امس ، حاولت أن أنهي الطنطورية و لكن يبدو انها هي التي انهتني كلياً .

فعلاً أن نظرتي الرومانسية لفلسطين كما قلتي لي ، و شوقي لها كما لو كنت أشتاق لرجُلي .. هي التي ستقتلني يوماً .قصفت يا بيروت ! قصفتُ في بيروت هربت إلى البحر من القصف و الشظايا التي احسست بها كما لو انني اصبت بها في الحقيقة و ليس في حلمي أو كابوسي المرهق فقط . ذهبت للبحر يا بيروت لم اجده ! صرخت باحثتاً عنه لم اجده ..

استيقظت من كابوسي مرتعبة.. للأن لم أنم ، أبتعدت عن الكتاب ، وضعته بعيداً بجانب كتاب زمن الخيول البيضاء !!!

أخاف من أنهيه يا بيروت ! أخاف من أن انهي زمن الخيول البيضاء !! "

أنهيته بعد مرور فترة قصيرة على تلك الليلة .... و شعرتُ بمعنى اللجوء أكثر .. شعرتُ بمعنى المخيم ، و بما فقدناه نحن عندما لم يحالفنا الحظ ولم نولد في العشرينات ، و لم نعش ما عاشته بطلة الرواية ( رقية ) من الوطن .

كان ينبغي علي أن أقوم بثورة على هذا القدر المعجون بلون الدم و رائحة الموت و الخيم التي ترشح ماء . كان ينبغي علي أن أقوم بثورة على والدي لأنه هو الذي جعلني فلسطينية أكثر مما ينبغي علي أن أكون ! ..

انهيته ، و لكنني لم أنهي الكتاب الثاني "زمن الخيول البيضاء" لأبراهيم نصرالله ، ذاك الزمن الجميل الذي لا أريد أن أعترف بأنه أنتهى و شُرد من شُرد ، و أسُتشهد من أسُتشهد ، و خانَ من خان !!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق