لكي نعود إلى هناك ، لا بد أن نكون في مكان ما ، فالعائد إن عاد لا يعود من عدم..

محمود درويش

الأربعاء، 25 يناير 2012

صبية عَمّانية جائت من القدس !


لينا خالد / عمَّان

قبل يومين كنتُ بطريق عودتي من بين جدران وسط البلد و جبل القلعة ، و بساطتها و دفئها . كنتُ قد قررت أن أحب عمّان أكثر ، و أن أتمسك بحقي بهذا الوطن الذي ولدتُ به و اصبحت رائحته جزء لا يتجزأ من ذاكرتي ..

كنتُ قد تلحفت " بكوفيتي الفلسطينية " بسبب البرد هذا أولاً ، و السبب الأخر هو لأنني لا اخجل من اصلي و لا يلغي حبي لهذا الوطن تمسكي بحق عودتي إلى ذاك الوطن الذي ينتظرني ! .

نزلتُ من الباص ، و وقفتُ عند الإشارة بإنتظارها لتصبح حمراء لأقطع الشارع فإذ بسيارة شرطة تمر من أمامي ، فيتغلب الشرطي الموجود فيها ليفتح شباك السيارة رغم البرد ليلقي أقبح الشتائم على فلسطين ! و يكمل طريقه ....

لم يكن باستطاعتي إلا أن اقول له : "أختك لحالك يا أبن الكلب ! ".

و لكن ذلك كان بعدما ابتعد ، حيثُ قد دخلتُ إلى صدمتي !.

يا إلهي .. كيف يمكن لهذا الموقف أن يحدث ! ، أنا متأكدة أنني كنتُ امشي قبل قليل بين جدران عمّان و لم أكن أتنفس سوا رائحتها ، كنتُ اقوم بممارسة حبي لها عن قرب . كنتُ جالسة على حافة جبل القلعة و أفكر بالناس الذين يخبئون احلامهم خلف ابواب بيوتهم الصغير الدافئة .

كيف يمكن أن يحدث ! من رجل يلبس زي يجب عليه أن يحترمه لوظيفته التي يفترض أن يقوم بها بخدمة الشعب و الوطن بدون "تحميل جمايل ".

وقفتُ قليلاً و أنا أشعر بأنه علي أن ابكي .. أصرخ قليلاً أو حتى الحق بسيارة الشرطة لأحطم جمجمة هذا الشخص الذي شتمني .. و شتم وطني .. و يشتم وطني الآخر عندما يعتقد بأنه يقدم لهُ خدمة في شتمي ! ..

ولكنني أخترت أن أتلحف بكوفيتي بقوة ، و أن أحب الأردن أكثر ... و أكمل طريقي .

الأردن ، وطن لا تعرفونه و لن تعرفوها بإنتمائكم الزائف لأرضها .. الأردن تعرفني أكثر منكم لأنني عندما أحببتها لم أحبها من أجلكم ، و لا من أجل قائدكم ، و لا اتغنى بأغانيكم " الوطنية" التي لا تشبهها .

عندما أحببتها ، صعدتُ لأحد جبالها السبعة ، وقفتُ على حافة الجبل و استمعتُ جيداً لنبضها . لم يكن ينبض بكم ، كان ينبض باصوات الباعة المتجولين ، و عمال النظافة و سائقي سيارات الأجرة و اصحاب المقاهي القديمة و زوارها .. كان ينبض بعرق عامل يبني عمارة جديدة ، و رائحة الخبز .. كان ينبض بجهد طالب يريد أن يتخرج سريعاً من الجامعة ليساعد و الده في إعالة الاسرة .. كان ينبض بحرص رجل سير "محترم" يقوم بدفع سيارة تعطلت في عز الشتاء .. كان ينبض بخوف طبيب على مريضه ، كان ينبض بتعب موظف يحمل اكياس عائداً لاسرته .. كان ينبض ببرد عائلة فقيرة لا يدفئها سوا الحب الذي يجمعهم و أملهم الكبير بأن الفرج سيأتي ..كان ينبض بنساء يحملون الخضار على رؤوسهم لببيعوها على الرصيف .. ينبض بأحلام أطفال يتسلقون شجرة ليلمسوا السماء .

كانت تنبض بضحكاتي انا و صديقتي ، نحنُ اللتان إخترنا عمّان لنملأ ما كان ينقصنا ..

لن تجعلوني أكره الأردن .. و لن تقتلوني لأنني من فلسطين .. سأحيا هنا و سأحيا هناك ..

هنيئاً لي ..فأنا الأن صبية عمّانية جائت من القدس .

  • · ملاحظة : هذا الموقف ، تعرض له أكثر من شخص أعرفه و شخص لا أعرفه في الأردن من قبل رجال أمن و درك و غيرها و حتى من أشخاص حاقدين ، و أنا متأكدة و أفترض إن هكذا مواقف لا يمكن أن تحدث إلا في الأرض المحتلة من قبل الإسرائيليين ! .


الأحد، 22 يناير 2012

فلنتخيل فقط !


لينا خالد / عمّان

فلنتخيل ..

تدخل على مركز طبي ، وإذ بصورة كبيرة " للشعب " مكتوب اسفلها : الشعب الأردني العظيم !.

و أنتَ خارج من المركز الصحي ، ترى سيارة يغطي سائقها الزجاج الخلفي بصورة آخرى للشعب .. و يضع أغنية تتغنى بالشعب ، مثلاً : " و شعب الاردن مافي زيه ، لما يجوع بقلب غول ! و بياكل لحم الي جوعوووا " !! .هذا مثلاً ! ، على أساس إن الأغاني الوطنية الحالية تحمل نفس معاني العنف ولكن هنا بحال جوع هذا الشعب ، لمصلحته يعني ! .

و أنتَ بنفس الشارع ترى صورة آخرى معلقة و مكتوب اسفلها :

أهداء من عشيرة "كذا" للشعب الأردني العظيم ..

المهم ، تكمل طريقك إلى وسط البلد .. فتمر من أمانة عمّان فترى يافطة على المبنى مكتوب عليها : ( الله .. الوطن .. الشعب ) !

في المدارس صباحاً ، ينشدون "النشيد الوطني" و بعدها يصرخون باصواتهم : ( يعيش الشعب الأردني العظيم .. يعيش يعيش يعيش ) .

و في مغافر الشرطة ، في معسكرات الجيش .. صور للشعب وهتفات له !

فلنتخيل فقط ! أن تختفي مظاهر العبودية من شوارعنا -شوارعنا العربية -بشكل عام ، و أن يحقق الشعب العربي حريته و سيادته ! ..

علينا أن نجد طريقة حتى تكون صورة الشعب هي الأساس !، علينا أن نقف وقفة واحدة لنتجهز لصورة جماعية لا ينساها أي حاكم عربي قادم ، يعلقها أمام سريره ،كلما استيقظ تذكر أن هناك شعبٌ ثائر لا يُهان .

الخميس، 19 يناير 2012

ملوش عنوان هالنص!

لينا خالد / عمّان

على عادتي سأصحو ! .. سأنظر بالساعة ! الوقت متأخر ، فاتني صوت فيروز و فنجان قهوة .

أمر على وجهي بالمرآة ، ملامحي يظهر عليها فوضى الحلم و عبثيته !

أغسل وجهي .. و اعود لأرمي نفسي على السرير كما كُنت !

أحاول الاتصال بأحد الاصدقاء !

- الهاتف المطلوب مغلق حالياً ..

أشعل سيجارة على غير عادتي .. أحاول اسناد ظهري على السرير , أعدل رأسي و أنظر للساعة مرة اخرى .. تأخرت ! الحياة في الخارج تنتظرني !.

أجهز نفسي ، أنظر إلى وجهي بالمرآة ! وجهي لا يشبه نفسه فانعكاسه عبر المرآة غير انعكاسه في عينيك ! ..

إي عينين أتحدث عنهم ! من أنت ؟ ، أنا هكذا طول حياتي .. لم أرى نفسي سوى عبر هذه المرآة .. عبر عيناي ..

أوراق في كل مكان ، أحاول العثور على سيناريو الفيلم الجديد ! . ابحث تحت المكتب فوق المكتب ، على رفوف المكتبة !، بجانب كتاب لا اعرف كيف وصل إلي !، بجانب صورتك !

أي صورة ؟! من أنت ؟ لم تكن هناك صور سوى صوري برفقة العائلة و الأصدقاء .. أو صورة لتشي غيفارا !

اجدهم .. تحت أكوام اشرطة فيديو قديمة ..

اخرج من شقتي التي تقع في عمارة بشارع قديم بعكا ..

المفروض أن اسلم السيناريو للمكتب في القدس ، لا أريد ! لا رغبة لدي بأن أذهب للقدس ، اليوم سيكون مزدحم ، كل الباعة موجودون هناك يفترشون الأرصفة .

سأنتظر للمساء ، ربما يتصل بي أحدهم ويسألني عن الورق !

أركب سيارة اجرة :

- وين عمو ؟

- على البيزاني !

لا اريد ان اشرب القهوة لوحدي ، فأتصل بأحد الأصدقاء :

- الرقم المطلوب مغلق حالياً ...

غريب ! أجرب ثلاث آخرين ! فأجد نفس الرد !.

اقبل بالقدر ، ربما هذا امر جيد لي ، سأفكر بنفسي أكثر .

ادخل المقهى , لا احد يعرفني ولا احد اعرفه ! كل الوجوه جديدة ، كأن المقهى أحتل من جديد !.

اجلس على طاولة بجانب البحر مباشرة ، اشرب القهوة على مهل بدون جريدة ! هكذا أصفن بالسماء و بأمواج عكا !

اتذكر نفسي ، كم كنتُ أتوق لهذا المنظر ،و هذه الرائحة !

اتذكرك ! ..

- حيفا أحلا ، سيبك من عكا ..

- الكرمل آه ممكن .. بس أنا بحب عكا ، بدي أسكن فيها .

- خلص أنا بقلك حيفا يعني حيفا ....

أتذكرك ! من أنت ؟! أي ذكرى ... و أي حديث هذا؟ ..

"للكرمل هواء .. لا يشبه هواء عكا .

و لحيفا حب لا يشبه لهفتي لعكا "

أصحوا من هذه الصفنة ، أنهض عن الكرسي و امسح عن وجهي رذاذ البحر .

غريب المساء جاء ولم يسأل احد عن الورق !

أحاول الأتصال بأحد الاصدقاء مرة آخرى ..

- الهاتف المطلوب مغلق حالياً ....

أمشي بأتجاه شقتي ، أصل فأجد ازدحام أمام العمارة التي اسكن فيها !

أقترب من الناس الذين يحتشدون أمامها ، أحاول ان أسالهم :

- ما الأمر ؟ ما الذي حصل ؟

لا أحد يجيبني .. لا أحد يراني !

ألمح صديق لي عن بعد يجلس على حافة الرصيف ! احاول الوصول إليه ! عله يعرف ما الذي يجري .. أقترب !

- ما الامر ؟

لا يجبني ! أهزه من كتفيه ! لا يحرك ساكناً ! ، أقترب أكثر .. وجهه لا يشبهه !

أصرخ : " ما الأمر ؟ " ..

- لقوا جثة فوق بالطابق الثالث !

يجيب أحدهم شخص يسأل عن الأمر ؟

افزع ! أي جثة ! كيف يغتال الموت جسداً كان يحلم !، أغضب و أركض بأتجاه السلم .

اصعده حتى أصل للطابق الثالث !

أجد مجموعة اشخاص أمام شقتي !!!

أدخل من بينهم ، أمي .. أبي .. اصدقائي ! كل الوجوه التي أعرفها كلهم موجودون !

اخرج من الشقة ، علاّ الجثة في الشقة الأخرى ، بابها مغلق !، أعود جميعهم يقفون هنا !

أحاول أن اسألهم ما الأمر ؟ لا احد يجيبني .. لا احد يراني !

أدخل غرفتي .. فأجدني ... جثة !

كلنا موجودون بغض النظر عن حالتي ! ، فمن الغائب منا ؟!!

وجهك ! وحده وجهك الغائب منا .. أي وجه ! من أنت ؟ ، من أنت حتى لا أراك ولا تراني ؟! .

الجمعة، 13 يناير 2012

كافر !


لينا خالد / عمّان

أي فقر ذاك الذي وصلنا له ؟ إين المشكلة يا الله ؟؟ بمن ؟!

أي حال ذاك الذي وصلنا له ؟ كيف يستيقظ رجلٌ "عاقل" صباحاً و يقرر أنه لن يكمل هذا النهار ! ، فيمشي بإتجاه الشارع المكتظ بإوجاع الناس و يشعل النار بنفسه وسطهم بكل بساطة !

الفقر .. كافر يا الله !

الفقر و الذل الذي جعل رجل كهذا يقوم بعملاً يعتبرونه شيوخنا "الاجلاء" حرام و من الكبائر و كفر !

كفر ! .. الكفر هو أن يعيش الشعب تحت سقوف زينكوا ترشح ماء و تصدر ضجيج بارد !

الكفر هو أن يعمل المواطن 10 ساعات باليوم براتب 110 أي مصروف أبن وزير باليوم !

الكفر هو أن يدفع الطالب الجامعي 1500 دينار لفصل دراسي واحد في الجامعة !

الكفر هو أن يجلس المواطن نصف ساعة و هو ينتظر دوره في المستشفى فيأتي احدهم بعده و يأخذ دوره بكل وقاحة ، لأن الدكتور أبن عم ابن خالة ابوه !

الكفر هو أن نرفض الذل و الظلم فيقال عنا .. مخربين !

الكفر هو أن تسب الأعراض ، و يضرب الأحرار على مرأى من الأمن و يقال " احمدوا الله على نعمة الأمن و الأمان " !

الكفر هو أن تحرق سيارة لمواطن فيصل الاطفاء بعد اطفاءها ! و الكفر الاكثر كفراً هو أنه عندما يحرق طرف صورة زعيم عربي تجد الاطفاء و الاسعاف و البحث الجنائي في ساحة الجريمة قبل أن يكتمل حرق هذا الطرف !!

الكفر هو أن تخلق يا الله كائنات تحكمنا و تقوم " بشل أملنا " سراً و تقول علناً كرامتي من كرامة الشعب !

الكفر أن تجعل نصف الشعب "معمي على قبله" و نازل عبادة في رؤس النظام!

الكفر هو أن الاثرياء يزدادون ثراء و الفقراء يزدادون فقراً ! ..

الي بحرق حاله مش كافر .. الجوع و الذل و البرد و الفقر و القهر و الظلم هما الكافرين ..

عرفتوا مين الكافر !ِ