قبل يومين كنتُ بطريق عودتي من بين جدران وسط البلد و جبل القلعة ، و بساطتها و دفئها . كنتُ قد قررت أن أحب عمّان أكثر ، و أن أتمسك بحقي بهذا الوطن الذي ولدتُ به و اصبحت رائحته جزء لا يتجزأ من ذاكرتي ..
كنتُ قد تلحفت " بكوفيتي الفلسطينية " بسبب البرد هذا أولاً ، و السبب الأخر هو لأنني لا اخجل من اصلي و لا يلغي حبي لهذا الوطن تمسكي بحق عودتي إلى ذاك الوطن الذي ينتظرني ! .
نزلتُ من الباص ، و وقفتُ عند الإشارة بإنتظارها لتصبح حمراء لأقطع الشارع فإذ بسيارة شرطة تمر من أمامي ، فيتغلب الشرطي الموجود فيها ليفتح شباك السيارة رغم البرد ليلقي أقبح الشتائم على فلسطين ! و يكمل طريقه ....
لم يكن باستطاعتي إلا أن اقول له : "أختك لحالك يا أبن الكلب ! ".
و لكن ذلك كان بعدما ابتعد ، حيثُ قد دخلتُ إلى صدمتي !.
يا إلهي .. كيف يمكن لهذا الموقف أن يحدث ! ، أنا متأكدة أنني كنتُ امشي قبل قليل بين جدران عمّان و لم أكن أتنفس سوا رائحتها ، كنتُ اقوم بممارسة حبي لها عن قرب . كنتُ جالسة على حافة جبل القلعة و أفكر بالناس الذين يخبئون احلامهم خلف ابواب بيوتهم الصغير الدافئة .
كيف يمكن أن يحدث ! من رجل يلبس زي يجب عليه أن يحترمه لوظيفته التي يفترض أن يقوم بها بخدمة الشعب و الوطن بدون "تحميل جمايل ".
وقفتُ قليلاً و أنا أشعر بأنه علي أن ابكي .. أصرخ قليلاً أو حتى الحق بسيارة الشرطة لأحطم جمجمة هذا الشخص الذي شتمني .. و شتم وطني .. و يشتم وطني الآخر عندما يعتقد بأنه يقدم لهُ خدمة في شتمي ! ..
ولكنني أخترت أن أتلحف بكوفيتي بقوة ، و أن أحب الأردن أكثر ... و أكمل طريقي .
الأردن ، وطن لا تعرفونه و لن تعرفوها بإنتمائكم الزائف لأرضها .. الأردن تعرفني أكثر منكم لأنني عندما أحببتها لم أحبها من أجلكم ، و لا من أجل قائدكم ، و لا اتغنى بأغانيكم " الوطنية" التي لا تشبهها .
عندما أحببتها ، صعدتُ لأحد جبالها السبعة ، وقفتُ على حافة الجبل و استمعتُ جيداً لنبضها . لم يكن ينبض بكم ، كان ينبض باصوات الباعة المتجولين ، و عمال النظافة و سائقي سيارات الأجرة و اصحاب المقاهي القديمة و زوارها .. كان ينبض بعرق عامل يبني عمارة جديدة ، و رائحة الخبز .. كان ينبض بجهد طالب يريد أن يتخرج سريعاً من الجامعة ليساعد و الده في إعالة الاسرة .. كان ينبض بحرص رجل سير "محترم" يقوم بدفع سيارة تعطلت في عز الشتاء .. كان ينبض بخوف طبيب على مريضه ، كان ينبض بتعب موظف يحمل اكياس عائداً لاسرته .. كان ينبض ببرد عائلة فقيرة لا يدفئها سوا الحب الذي يجمعهم و أملهم الكبير بأن الفرج سيأتي ..كان ينبض بنساء يحملون الخضار على رؤوسهم لببيعوها على الرصيف .. ينبض بأحلام أطفال يتسلقون شجرة ليلمسوا السماء .
كانت تنبض بضحكاتي انا و صديقتي ، نحنُ اللتان إخترنا عمّان لنملأ ما كان ينقصنا ..
لن تجعلوني أكره الأردن .. و لن تقتلوني لأنني من فلسطين .. سأحيا هنا و سأحيا هناك ..
هنيئاً لي ..فأنا الأن صبية عمّانية جائت من القدس .
- · ملاحظة : هذا الموقف ، تعرض له أكثر من شخص أعرفه و شخص لا أعرفه في الأردن من قبل رجال أمن و درك و غيرها و حتى من أشخاص حاقدين ، و أنا متأكدة و أفترض إن هكذا مواقف لا يمكن أن تحدث إلا في الأرض المحتلة من قبل الإسرائيليين ! .