لكي نعود إلى هناك ، لا بد أن نكون في مكان ما ، فالعائد إن عاد لا يعود من عدم..

محمود درويش

السبت، 5 مارس 2011

يوم عادي في ... قالونيا

لينا خالد / عمان

الساعة الآن الرابعة عصراً و ثلاث دقائق، موعد انتهاء عملي ، خرجت من مكتبي بحماسة طفل في العيد .. كنت اتوق الوصول الى المنزل أسرع من الريح .. فاليوم سيزورني في منزلنا في القرية بعض صدقاتي و اصدقائي اللذين مضى زمن طويل دون لقائهم و ننوي نقيم سهرة صغيرة في كرم العنب المجاور للمنزل اللذي زرعه جدي بالدوالي قبل 50 عام ، فقد بدأ جدي بزراعة أول دالية يه عندما جاءه الابن الاول ((والدي)) ، و قد أكمل و الدي و أعمامي زراعته و أصبح من أجمل كروم القرية .

المهم امي قالت لي بإنها ستعد لنا المقلوبة و بعض من المسخن ، اطيب انواع المأكولات الشعبية الفلسطينية التي اعشقها.

اختي ليلى موجودة الان في الخليل لا اعلم ان كانت ستأتي لزيارتنا اليوم ، أتمنى ذلك فبحضورها تكتمل السهرة و تمسي اجمل .

- ألو

- اهليين

- شو بدك تيجي اليوم ولا ما بدك ؟

- النية اني اجي ، المحروس اليوم عنده شغل في يافا .

- طيب خلص تعالي ، و امي بتقلك احسبي حساب انك تباتي عنا .

- خلص إن شاء الله بشوفك

- سلام

- سلام

اذن المواعيد و النوايا الليلة تبشر بسهرة من اجمل السهرات .. ستأتي ليلى ، و منى صديقتي النصراوية ، و بيروت من مجد الكروم ، و أحمد و محمود من نابلس ،ستأتي افنان من الرملة ، و ياسمين و حنين من بيت لحم ، لي مدة طويلة لم أراهم و اليوم سنجتمع في الكرم تحت ثريات العنب كما تغني فيروز .


أدخل مشارف قالونيا ، بعد أنعطافة الى اليمين خروجاً من شارع القدس يافا ،أرد السلام على خالي الذي يجلس امام دكانه ، بعدها بأمتار عند بداية الصعود الى بيوت القرية تستوقفني إبنة عم أمي و توصيني بأن انقل إلى امي سلامها و أقول لها بأن كل نساء العيلة سيجتمعون غداً صباحاً في دار أم أمجد عند عين الليمونة .

اكمل طريقي الى المنزل ، يستوقفني اخي سعيد :

- وين رايحة ؟

- شو رأيك انتَ ؟

- طيب خذيني معك ، بس استني اجيب كتبي من عند وائل ..

- ها كيف دراستك ؟

- منيحة ،هل السنة مش راضية تخلص .

- بتخلص ، لا تخاف اهم شي تشد حيلك مشان تروح تدرس في بيرزيت

- إن شاءالله ...

نصل الى المنزل ، يقفز سعيد من السيارة بحركة تذكرني به وهو صغير

- يفضح حريشك لساتك بتحوس مثل حوسك و انتَ عمرك عشر سنين .

اقولها بيني وبين نفسي و اضحك ، سعيد الأن رجل بدأ يشبه والدي و يصبح كما يتمناه والدي .

يفتح لي البوابة اصف سيارتي بالقرب من سيارة اختي لمى ، التي تدرس الطب في جامعة القدس ، ادخل المنزل

- يعطيكي العافية يما .

- الله يعافيكي و يرضى عليكِ يما

- شو اخبار الطبيخ ؟

- هي لمى المعدلة كاعدة بتخبز في الطابون مشان المسخن ، و هي البصل جاهز و المكلوبة قربت تجهز .

- يسلموا هل الأيدين يما ، و ينه ابوي ؟

- هيه في الكرم بقرأ

اخرج الى كرم العنب خلف المنزل ، والدي اضاف الى اول الكرم شجرة رمان كبيرة و بعض من الصبر و التفاح .. آراه من بعيد يجلس تحت فية الدالية و يقرأ كعادته بعض من الأوراق .

- مسا الخير يابا

- هلا يابا ، يعطيكي العافية .

- الله يعافيك ،شفت اليوم تقريري ؟

- آه يابا شفته ، بس كأنه المصور الي معك كاين يلاطش .

- لا يابا منيحة الصور ، بس كنا مستعجلين مشان نلحق نبثه في النشرة .

- على كلن يعطيكم العافية .

- الله يعافيك و يخليك .

والدي منذ بدأت بدراسة الأعلام في بيرزيت و هو متابع لدراستي كان يحلم بأن أصبح من أفضل الإعلاميين و الحمد لله بدأت الأقتراب من ذلك الحلم .

الآن اصبحت الساعة السادسة و النصف و قد وصلت ليلى و منى و بدأنا نحوس هنا و هناك تحضيراً لطاولة العشاء .

- ها ليلى شو اخبار الشركة عندك ؟

- منيحة اياه المحروس بطارد من الخليل ليافا مشان الأجتماعات .

- طيب ما تخلصوا و تنقولوا على يافا .

- بس تخلص المدرسة تبعت الولاد .

- يلا حلو مشان اضلني رايحة جاية على يافا .

- اساس انك مش رايحة جاية على يافا ؟ بتروحي عليها اكثر ما بتزوريني .

- اسا انتِ عندك بحر ، خلص اذا افتتحوا بحر في الخليل قبل ما تنقلي على يافا رح ازورك كل يوم .

- نفسي اعرف شو هل الحب الي بجمعك في البحر ؟

- نفسي اكثر منك !

صوت منى من الكرم :

- شو بدكم تشعلوا الضو ولا نكعد على العتمة .

- نورك كافي عزيزتي . بلاه الضو .

افرط ضحك ، مش على النكتة البايخة بل على السعادة التي تتملكني في هذه اللحظة .

يصل الجميع ، نأكل ، يبدأون بمدح طعام والدتي ، نتحدث في جميع المواضيع ، أحمد رأسه في رأس والدي و يتحدثون عن السياسة الجديدة لأحد الدول الأجنبية ، نتذكر الثورات العربية التي حصلت ، نتحدث عن القذافي و كتابه الأخضر . و عن يوم اعدامه في البيضاء من قبل الليبيين .

محمود يحدثنا عن الموضوع الذي سيطرحه في الحلقة القادمة من برنامجه .

منى تحدثنا عن فكرة فيلم وثائقي جديد .

ياسمين تحدثنا عن المهرجان التي ستقوم به شركتها الإعلامية .

حنين تحدثنا عن اجدد اللوحات لها .

احمد يحدثنا عن المشروع الجديد لجمعية القراء الفلسطينية.

افنان تحدثنا عن كتابها الجديد في قواعد اللغة العربية .

و بيروت و أنا نحدثهم عن تقاريرنا الأخبارية .

و جميعنا نصغي لوالدي و هو يحدثنا عن اهم اللحظات التي حصلت في تاريخنا العربي ، قبل ان نولد جميعاً .

بعد انتهائنا ، نحاول عابثين انا ومحمود بأشعال الأرجيلة ، والدي يصرخ بنا

- لا تشغلوها هون عند الشجر ، روحوا على الحوش .

- خلص بدناش

يتلصص المدخنين منا لتدخين سيجارة بعد المقلوبة و المسخن ، نعود نحتسي القهوة و نتحدث و نتحدث ، يستأذن و الدي و يقول :

- اعذروني يا شباب بدي اروح اكمل قراءة جوا الدار .

- خليك يابا

- لا يابا بدي اكمل الكتاب ، فرصة إذا بدك تعزفي لا تعملي ضجة كثير مشان ستك نايمة .

- حاضر يابا

نحتسي الشاي ، نتحلى من تحت يديين امي كنافة ، نشرب عصير رمان من شجرتنا ثم نغني و نعزف قليلاً ..

يأتي احمد بفكرة جهنمة :

- تيجوا نكمل السهرة في عكا ؟

ننظر الى بعضنا البعض تعجبنا الفكرة ، ننظف المكان الذي كنا جالسين به ، يسلمون على والدتي و و الدي

- وين يابا ؟

- رايحين نكمل السهرة في عكا .

- طيب يابا الله معكم ....



هذا يوم عادي في قالونيا .... يوم عادي من الأيام التي أحلم بها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق