الساعة الآن الرابعة عصراً و ثلاث دقائق، موعد انتهاء عملي ، خرجت من مكتبي بحماسة طفل في العيد .. كنت اتوق الوصول الى المنزل أسرع من الريح .. فاليوم سيزورني في منزلنا في القرية بعض صدقاتي و اصدقائي اللذين مضى زمن طويل دون لقائهم و ننوي نقيم سهرة صغيرة في كرم العنب المجاور للمنزل اللذي زرعه جدي بالدوالي قبل 50 عام ، فقد بدأ جدي بزراعة أول دالية يه عندما جاءه الابن الاول ((والدي)) ، و قد أكمل و الدي و أعمامي زراعته و أصبح من أجمل كروم القرية .
المهم امي قالت لي بإنها ستعد لنا المقلوبة و بعض من المسخن ، اطيب انواع المأكولات الشعبية الفلسطينية التي اعشقها.
اختي ليلى موجودة الان في الخليل لا اعلم ان كانت ستأتي لزيارتنا اليوم ، أتمنى ذلك فبحضورها تكتمل السهرة و تمسي اجمل .
- ألو
- اهليين
- شو بدك تيجي اليوم ولا ما بدك ؟
- النية اني اجي ، المحروس اليوم عنده شغل في يافا .
- طيب خلص تعالي ، و امي بتقلك احسبي حساب انك تباتي عنا .
- خلص إن شاء الله بشوفك
- سلام
- سلام
اذن المواعيد و النوايا الليلة تبشر بسهرة من اجمل السهرات .. ستأتي ليلى ، و منى صديقتي النصراوية ، و بيروت من مجد الكروم ، و أحمد و محمود من نابلس ،ستأتي افنان من الرملة ، و ياسمين و حنين من بيت لحم ، لي مدة طويلة لم أراهم و اليوم سنجتمع في الكرم تحت ثريات العنب كما تغني فيروز .
أدخل مشارف قالونيا ، بعد أنعطافة الى اليمين خروجاً من شارع القدس يافا ،أرد السلام على خالي الذي يجلس امام دكانه ، بعدها بأمتار عند بداية الصعود الى بيوت القرية تستوقفني إبنة عم أمي و توصيني بأن انقل إلى امي سلامها و أقول لها بأن كل نساء العيلة سيجتمعون غداً صباحاً في دار أم أمجد عند عين الليمونة .
اكمل طريقي الى المنزل ، يستوقفني اخي سعيد :
- وين رايحة ؟
- شو رأيك انتَ ؟
- طيب خذيني معك ، بس استني اجيب كتبي من عند وائل ..
- ها كيف دراستك ؟
- منيحة ،هل السنة مش راضية تخلص .
- بتخلص ، لا تخاف اهم شي تشد حيلك مشان تروح تدرس في بيرزيت
- إن شاءالله ...
نصل الى المنزل ، يقفز سعيد من السيارة بحركة تذكرني به وهو صغير
- يفضح حريشك لساتك بتحوس مثل حوسك و انتَ عمرك عشر سنين .
اقولها بيني وبين نفسي و اضحك ، سعيد الأن رجل بدأ يشبه والدي و يصبح كما يتمناه والدي .
يفتح لي البوابة اصف سيارتي بالقرب من سيارة اختي لمى ، التي تدرس الطب في جامعة القدس ، ادخل المنزل
- يعطيكي العافية يما .
- الله يعافيكي و يرضى عليكِ يما
- شو اخبار الطبيخ ؟
- هي لمى المعدلة كاعدة بتخبز في الطابون مشان المسخن ، و هي البصل جاهز و المكلوبة قربت تجهز .
- يسلموا هل الأيدين يما ، و ينه ابوي ؟
- هيه في الكرم بقرأ
اخرج الى كرم العنب خلف المنزل ، والدي اضاف الى اول الكرم شجرة رمان كبيرة و بعض من الصبر و التفاح .. آراه من بعيد يجلس تحت فية الدالية و يقرأ كعادته بعض من الأوراق .
- مسا الخير يابا
- هلا يابا ، يعطيكي العافية .
- الله يعافيك ،شفت اليوم تقريري ؟
- آه يابا شفته ، بس كأنه المصور الي معك كاين يلاطش .
- لا يابا منيحة الصور ، بس كنا مستعجلين مشان نلحق نبثه في النشرة .
- على كلن يعطيكم العافية .
- الله يعافيك و يخليك .
والدي منذ بدأت بدراسة الأعلام في بيرزيت و هو متابع لدراستي كان يحلم بأن أصبح من أفضل الإعلاميين و الحمد لله بدأت الأقتراب من ذلك الحلم .
الآن اصبحت الساعة السادسة و النصف و قد وصلت ليلى و منى و بدأنا نحوس هنا و هناك تحضيراً لطاولة العشاء .
- ها ليلى شو اخبار الشركة عندك ؟
- منيحة اياه المحروس بطارد من الخليل ليافا مشان الأجتماعات .
- طيب ما تخلصوا و تنقولوا على يافا .
- بس تخلص المدرسة تبعت الولاد .
- يلا حلو مشان اضلني رايحة جاية على يافا .
- اساس انك مش رايحة جاية على يافا ؟ بتروحي عليها اكثر ما بتزوريني .
- اسا انتِ عندك بحر ، خلص اذا افتتحوا بحر في الخليل قبل ما تنقلي على يافا رح ازورك كل يوم .
- نفسي اعرف شو هل الحب الي بجمعك في البحر ؟
- نفسي اكثر منك !
صوت منى من الكرم :
- شو بدكم تشعلوا الضو ولا نكعد على العتمة .
- نورك كافي عزيزتي . بلاه الضو .
افرط ضحك ، مش على النكتة البايخة بل على السعادة التي تتملكني في هذه اللحظة .
يصل الجميع ، نأكل ، يبدأون بمدح طعام والدتي ، نتحدث في جميع المواضيع ، أحمد رأسه في رأس والدي و يتحدثون عن السياسة الجديدة لأحد الدول الأجنبية ، نتذكر الثورات العربية التي حصلت ، نتحدث عن القذافي و كتابه الأخضر . و عن يوم اعدامه في البيضاء من قبل الليبيين .
محمود يحدثنا عن الموضوع الذي سيطرحه في الحلقة القادمة من برنامجه .
منى تحدثنا عن فكرة فيلم وثائقي جديد .
ياسمين تحدثنا عن المهرجان التي ستقوم به شركتها الإعلامية .
حنين تحدثنا عن اجدد اللوحات لها .
احمد يحدثنا عن المشروع الجديد لجمعية القراء الفلسطينية.
افنان تحدثنا عن كتابها الجديد في قواعد اللغة العربية .
و بيروت و أنا نحدثهم عن تقاريرنا الأخبارية .
و جميعنا نصغي لوالدي و هو يحدثنا عن اهم اللحظات التي حصلت في تاريخنا العربي ، قبل ان نولد جميعاً .
بعد انتهائنا ، نحاول عابثين انا ومحمود بأشعال الأرجيلة ، والدي يصرخ بنا
- لا تشغلوها هون عند الشجر ، روحوا على الحوش .
- خلص بدناش
يتلصص المدخنين منا لتدخين سيجارة بعد المقلوبة و المسخن ، نعود نحتسي القهوة و نتحدث و نتحدث ، يستأذن و الدي و يقول :
- اعذروني يا شباب بدي اروح اكمل قراءة جوا الدار .
- خليك يابا
- لا يابا بدي اكمل الكتاب ، فرصة إذا بدك تعزفي لا تعملي ضجة كثير مشان ستك نايمة .
- حاضر يابا
نحتسي الشاي ، نتحلى من تحت يديين امي كنافة ، نشرب عصير رمان من شجرتنا ثم نغني و نعزف قليلاً ..
يأتي احمد بفكرة جهنمة :
- تيجوا نكمل السهرة في عكا ؟
ننظر الى بعضنا البعض تعجبنا الفكرة ، ننظف المكان الذي كنا جالسين به ، يسلمون على والدتي و و الدي
- وين يابا ؟
- رايحين نكمل السهرة في عكا .
- طيب يابا الله معكم ....
هذا يوم عادي في قالونيا .... يوم عادي من الأيام التي أحلم بها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق